يواظب معظم اليابانيون على الاستحمام بشكل يومي سواء المقيمين داخل اليابان أو في أي بلد آخر. وطبعاً ليس المقصود بالاستحمام هو “الاغتسال بالماء فقط”؛ لأن الأمر يبدو مختلفاً في اليابان، فمجرد الاغتسال بالماء هو أمر بديهي. وعبارة الاستحمام تعني في اليابان غمر الجسم بالكامل في حوض من الماء الساخن. حيث نجد أن ما بين 70٪ إلى 80٪ من اليابانيين لا يزالون يستحمون على الطريقة اليابانية التقليدية، ويفعلون ذلك عدة مرات على الأقل في الأسبوع. وترتفع هذه النسبة إلى 90٪ أو أكثر في العائلات التي لديها أطفال صغار. في المقابل نجد أن نسبة السكان الذين نادرًا ما يستحمون بالطريقة التقليدية ويعتمدون على الاغتسال فقط تبلغ 10٪ على أقصى تقدير، وليس من المبالغة القول إن حوض الاستحمام الساخن هو أمر هام في الثقافة اليابانية.
في مقال نشره موقع اليابان بالعربي بواسطة “هاياساكا شينيا” أحد الباحثين اليابانيين البارزين في مجال الصحة العامة، تحدث فيه عن الأدلة المتزايدة على أن الاستحمام على الطريقة اليابانية “الاغتسال بالماء والصابون ثم نقع الجسم في حوض ماء ساخن لمدة 10 دقائق تقريباً” بشكل يومي منتظم، هو من أهم الأسباب التي جعلت اليابانيين أكثر الشعوب صحة وأطول عمراً في العالم. وهي عادة مقدسة لدى اليابانيين منذ العصور القديمة. وأمضى “هاياساكا” أكثر من 20 عامًا في دراسة الفوائد الصحية للاستحمام سواء بالماء العادي أو بمياه الينابيع الساخنة، وهذه أهم النتائج التي توصل إليها:
حوض الاستحمام ليس مكانًا للاغتسال، إنه مكان للاستمتاع بنقع الجسم في الماء الساخن مما يبعث على تهدئة الأعصاب والتخلص من متاعب اليوم. وغالبًا ما يستحم الأطفال الصغار مع والديهم، مما يجعل حوض الاستحمام مكانًا للاسترخاء وتوطيد الروابط العائلية في نفس الوقت.
نقع الجسم يوميًا في حوض من الماء الساخن يعمل على الحفاظ على الجسم لائقًا وصحيًا دون الحاجة إلى ممارسة تمارين رياضية مرهقة.
خطر الإصابة بأمراض خطيرة بما في ذلك السكتات الدماغية والنوبات القلبية كانت أقل بنسبة 30٪ تقريبًا لدى الأشخاص الذين يستحمون يوميًا مقارنة بأولئك الذين استحموا مرتين فقط أو أقل في الأسبوع. يبدو أنه من المرجح أن الاستحمام المنتظم قد يكون أحد أسباب ارتفاع مستويات الصحة وطول العمر في اليابان.
يؤدي النقع في الماء الساخن إلى ارتخاء الشرايين وتوسيعها، ما يعزز الدورة الدموية، ويساعد على زيادة تدفق الدم الذي يقوم بدوره بجلب الأكسجين والتغذية لجميع خلايا الجسم، كما يقوم بجمع ثاني أكسيد الكربون غير الضروري والفضلات الأخرى ليتم طردها إلى خارج الجسم. هذا التعزيز للدورة الدموية هو المسؤول عن الشعور بالاسترخاء الذي تحصل عليه عند نقع جسمك في حوض الماء الساخن كما لو كان تراكم إرهاق اليوم يطفو فوق سحابة من البخار.
رفع درجة حرارة الجسم لدرجة مناسبة يقلل من حساسية الأعصاب، ويساعد أيضاً على تخفيف آلام الظهر وتيبس الكتفين والآلام المزمنة الأخرى. كما تعمل الحرارة على تليين الأربطة الغنية بالكولاجين التي تحيط بالجسم والمفاصل مما يجعلها أكثر ليونة، وهذا يحسن المرونة في جميع أنحاء الجسم ويخفف من آلام المفاصل.
النقع في الماء الساخن قبل ساعتين إلى ثلاث ساعات من النوم يمكن أن يساعد على الحصول على نوم جيد أثناء الليل.
في الحمام الياباني تكون درجة حرارة الماء 38 درجة مئوية على الأقل، ولكن لا يعني هذا أننا كلما رفعنا درجة حرارة الماء كلما شعرنا بالاسترخاء. فقد أظهرت العديد من الدراسات أن الاستحمام في الماء الساخن جدًا “42 درجة مئوية أو أكثر” قد يحفز الجهاز العصبي السمبثاوي، وهو جزء من الجهاز العصبي اللاإرادي، وهو ما قد يؤدي إلى الشعور بالتوتر، حيث يزيد معدل ضربات القلب وضغط الدم وتوتر العضلات. ونظرًا لأن الغرض من الاستحمام هو الاسترخاء فقد يؤدي رفع درجات حرارة الماء بشكل غير مناسب إلى نتيجة عكسية.
وتأتي فوائد الطفو من حقيقة أن جسمك يطفو فوق الماء حرفيًا، فإذا وصل الماء إلى كتفيك فأنت تتحمل عُشر وزن جسمك المعتاد تقريباً. فعلى سبيل المثال فإن الشخص الذي يزن 60 كيلوغراماً يتحمل 6 كيلوغرامات فقط من هذا الوزن أثناء الاستحمام، مما يسمح للعضلات بالاسترخاء ويؤدي إلى زيادة فوائد الاستحمام.
الضغط الهيدروستاتيكي الذي تتعرض له أثناء الاستحمام مفيد بشكل خاص للساقين والجزء السفلي من الجسم، مما يساعد على تخفيف التورم حيث يعود الدم من الأوعية المحتقنة إلى القلب وهو ما يعمل على تحسين الدورة الدموية.
القاعدة الأساسية بسيطة: اغمر نفسك في حوض من الماء الساخن “حوالي 40 درجة مئوية، أو أقل قليلاً” وانزوي في الماء حتى كتفيك لمدة 10 دقائق أو نحو ذلك، عندما تبدأ في الشعور بوخز العرق على جبينك، فهذه علامة جيدة على أن جسمك قد ارتفعت درجة حرارته إلى درجة الحرارة المطلوبة، تجنب التفكير في الأمور الصعبة التي تدعو إلى التوتر.
إن جائحة كورونا قد جعلت الكثير من الناس يشعرون بالقلق بشكل مستمر، مما يعني أن الاستحمام بشكل يومي أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، يساعدك الاستحمام المنتظم على الاسترخاء جسديًا وعقليًا ويمكن أن يساعدك على الحفاظ على لياقتك وصحتك في سن الشيخوخة.